أخبار وطنية سلمــى بكـــار: مللت نفاق السياسة.. وأقول للسبسي خيّبت ظني فيك»!
هي شخصية فاعلة في ميدان السياسة ومخرجة سينمائية وتلفزية لطالما عرفت بدفاعها الشرس عن حقوق المرأة ومكتسباتها فشاهدناها «جندية» صلبة ترفع سلاح صوتها الصارخ أمام كل من يحاول الحدّ من الحريات والرجوع بنا إلى الوراء وتحارب به من أجل المحافظة على مشروع مجتمعي تقدمي.
عبر هذا الحوار الذي ارتأينا إجراءه معها، تحدثت سلمى بكار بجرأتها المعهودة في عدة مسائل.. فتابعونا...
- ما هي قراءتك للواقع الذي تعيشه تونس اليوم في ظلّ تنامي الإرهاب والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية؟
لا مفرّ من القول أنه للأسف واقع أليم وسيئ... فكل الأحداث التي تمر بها تونس تباعا من تنام للإرهاب إلى تأزم للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية تجعلنا في حيرة وتوجّس كبيرين على مستقبلها ومستقبل شعبها. إنّ كل ما نعيشه اليوم هو لا محالة حصاد لجميع الأخطاء التي تراكمت وتتالت إثر انتخابات 2011 حين تسلمت الترويكا الحكم وخاصة حركة النهضة بالأساس.
هو كذلك جني لثمار سياسة تكميم الأفواه و«إغلاق العيون» التي انتهجتها الترويكا نحو البوادر الأولى التي سبقت ظاهرة الإرهاب وتولّدت منها بعد ذلك كالصمت على انتشار الأفكار المتشددة والمتطرفة والتغاضي عنها وعن أصحابها.. لقد ظننا أنّ الثورة سوف تحقق مطالب الشعب الملحة وتستجيب إليها فوجدنا أنفسنا نعيش نفس الوضعية السابقة أو أتعس منها لكن بوجوه مختلفة وأصوات جديدة.
- تعتبر بعض الأطراف أنه طالما وجدت النهضة في الحكم فإن معركة محاربة الإرهاب لن تكون ناجحة وفعالة، فهل تساندين هذا الرأي؟
يجب أولا التوضيح أنّ فترة حكم الترويكا أتاحت المجال لتمرّر بعض العناصر المتطرّفة والتكفيرية أفكارها العنيفة والمتشددة، وقد تنفست الصعداء و«وجدت راحتها» ولم يعترضها حاجز حقيقي لمنعها وصدّها رغم تعالي الأصوات الوطنية داخل المجلس الوطني التأسيسي وقتها خاصة من المعارضة التي حذّرت مرارا من خطورة هذه الظاهرة.
إنّ ممارسة الإرهاب لا تتأتى فقط برفع ومسك سلاح الكلاشنيكوف بل تبدأ ببث الفكر المتطرّف والمتعصّب فالعنف الفكري هو الذي يولّد الإرهاب أولا...
أمّا في ما يخص مشاركة حركة النهضة الحكم، فأؤكد أننا لسنا بفاقدي الذاكرة، فنحن نعلم جيدا الأفكار الراديكالية الرجعية لقيادات حركة النهضة ونذكر تعنتهم واحتكارهم للكلمة أيام ممارسة حكمهم متعلّلين ومتشدقين بالصندوق الانتخابي الذي أوجدهم.
فرغم تغيّر خطابهم الجذري المفاجئ خاصة خلال الفترة الأخيرة ـ الذي نتمنى أن يكون تغيّرا حقيقيا وليس لغاية في نفس يعقوب ـ ستبقى الشكوك في مصداقية هؤلاء الأشخاص قائمة.
- صرّح النائب عبد العزيز القطي أنّ الأمن الموازي مازال قائما في وزارة الداخلية وهو ما يعني اختراقها، فماهو تعليقك؟
إذا وجدت بالفعل مؤشرات حقيقية لاختراق وزارة الداخلية فيجب أن نتساءل عن الطريقة التي تمّ بها هذا الاختراق وما هي إحصائيات الأمن الموازي الذي خلّفه علي العريض في وزارة الداخلية، هل هم بالعشرات أم بالآلاف؟
يجب أن يتم تبيّن هذه الاختراقات بالأدلة والبراهين قبل إطلاق الأحكام وإذا ثبت ذلك فسنجد أنفسنا في مأزق خطير يصعب التخلص منه بسهولة.
- كيف تعلّقين على قرار تطبيق حالة الطوارئ في البلاد؟
في الحقيقة أنا من جهة أثمّن هذا القرار الصائب الذي كان لابدّ أن يتم تطبيقه منذ حادثة باردو ومنذ أن أصبحت بلادنا في حالة خطر وطوارئ، ولكن من ناحية أخرى يجب أن نكون متأهبين لعدم ترك المجال للمسّ من الحريات بتعلّة تطبيق هذا القرار. لكن ورغم هذا فأنا مطمئنة لأنّ وعي المجتمع المدني بات ناضجا بما فيه الكفاية وكبيرا جدا لحماية الحقوق والحريات.
- وما تعليقك حول إجراءات الحكومة في ما يخصّ حربها على الإرهاب؟
عمليّة قفصة الأخيرة الناجحة التي قتل فيها الإرهاب مراد الغرسلي و4 عناصر آخرين هي دليل نجاح الخطط الأمنية والعسكرية المنتهجة في مكافحة الإرهاب.. «وربي يعين كل شخص صادق يحبّ بلادو» لأنّ تونس اليوم محتاجة لأبنائها وإلى تظافر كل الجهود حتى ننقذها من فوهة الإرهاب التي فتحت من حيث لا ندري..
- هل تتمنى سلمى بكار أن تعود إلى مجلس نواب الشعب بعد تجربتها السابقة؟
لا أتمنّى ذلك، وأنا سعيدة جدا أنني لم أصبح مجددا نائبة تحت قبة المجلس فما لاحظته اليوم أن أغلب النواب لا يحملون رسالة حقيقية للدفاع الشرس عنها كما لم أتبين صراعا حقيقيا ورهانا صلبا عن القضايا. فالرهان الحقيقي تم خوض غماره في السابق أيام كتابة نصّ الدستور الجديد حيث شعرنا أنها مسألة حياة أو موت.
كما لا أخفي عليك حنيني لعدد من الأشخاص الذين تعاملت معهم داخل المجلس من الكتلة الديمقراطية فقد عشنا سويا الحلو والمرّ وتقاسمناه، لكن اليوم أصبحت هنالك سياسة نفاق تنتهجها العديد من الأطراف وأنا لم أعد قادرة على عيشها أو تحملها.
- برأيك لماذا أخفق حزب المسار في الانتخابات التشريعية الماضية؟
ألخّص الأسباب في حبنا المفرط لتونس ولأننا شعرنا بأن المصلحة العامة تقتضي منا الوحدة الوطنية وهي رسالة حملناها على عاتقنا. لقد كنا نعتبر أنه حتى ولو فازت حركة نداء تونس بالحكم وأخذت المشعل فإننا سنجني نفس المشروع الديمقراطي الذي كنا نؤمن ونتمسك به وندافع عنه.
لكن كانت خيبة المسعى حين تمّ التزاوج العرفي بين النهضة والنداء فخاب الأمل والظنّ وضاعت الأماني هباء.
- إذن، هل توجد بوادر ملموسة لاتخاذ مبادرة تجمّع شتات الديمقراطيين خاصة من الذين خذلهم نداء تونس؟
بالفعل هذا هو الحلّ الوحيد، لكنني للأسف لا أرى أية نية لمبادرة تجمع الأطراف الديمقراطية وحقيقة لا أعلم السبب. يجب أن يحدث زلزال في البلاد لتستيقظ الأطراف السياسية الديمقراطية وتتخّذ عاجلا هذه المبادرة قبل فوات الأوان.
يجب أن تعترف الأحزاب السياسية اليوم بالأخطاء السابقة التي ارتكبتها وتتوجه نحو تنظيم حوار وطني شامل للوحدة الوطنية.
- كيف تجدين دور نساء تونس في هذه المرحلة؟
دورهنّ يجب أن يتجسّم اليوم أكثر من أي وقت مضى كما يجب اتخاذ القرارات الصائبة في ما يخص الوحدة الوطنية والحوار. لكن اليوم من يسمع صوت من ليُسمع صوت المرأة؟
- هل نرتقب مشروع شريط سينمائي جديد لك؟
نعم لدي مشروع سيناريو مولود سينمائي جديد يحمل عنوان «الجايدة» صحبة الممثلة وجيهة الجندوبي التي ستلعب فيه دور البطولة ، وأنا أعكف حاليا على المراجعة الأخيرة لنصه معها عبر كتابة جديدة لنفس القصة لكن بمحتوى يكون أكثر مواكبة للواقع الذي نعيشه اليوم خاصة في ما يخص حقوق ومكاسب المرأة التونسية قبل أن أنطلق في تصوير مشاهده خلال شهر سبتمبر القادم.
وقد اخترت تسمية فيلمي الجديد «الجايدة» في إشارة إلى صفة المرأة التي كانت مسؤولة عن مراقبة النسوة المقيمات بـ»دار جواد» في عهد البايات والتي كانت عبارة عن سجن خصّص آنذاك لتأديب النسوة الخارجات عن إرادة الزوج وطاعته.
كما أريد أن أوضح أني كتبت نص «الجايدة» منذ سنوات وتحصلت على الموافقة على الدعم من وزارة الثقافة سنة 2010.
- لو تحدّثينا عن دورك في الجزء الثاني من مسلسل ناعورة الهواء الذي اعتبرت انه بمثابة تكريم لمسيرتك في المجلس التأسيسي؟
نعم لقد اقترح عليّ مخرج المسلسل مديح بلعيد ومنتجه نجيب عيّاد هذا الدّور فقبلت بتجسيده بعد طول تفكير رغم أني لم أكن متحمسة في البداية له حتى أني استشرت حزبي المسار والعديد من الأصدقاء في ذلك لكن نظرا لرمزيّته ولأنه كان بمثابة تكريم لمسيرتي بالمجلس التأسيسي قبلت المشاركة والخوض في هذا التحدي الجديد لإنجاح هذا الدور خاصة وأنه يشبهني.
لقد وجدت شخصية «بسمة عطية» في المسلسل تشبهني كثيرا فهي عبارة عن المرأة التونسية التي تمارس السياسة بعيدا عن مفاهيم القذارة و»التكمبين»، بل المواطنة التي تحب أن تنفع بلادها وشعبها وتدافع عن المبادئ الرفيعة والأخلاق العالية بعيدا عن لغة السياسة الخشبية.. قررت أن يكون هذا الدور هو الأول والأخير في تجربة التمثيل في حياتي.
- ما هو تعليقك بخصوص مسلسل «حكايات تونسية» الذي أثار جدلا واسعا في صفوف مختلف التونسيين؟
تجدر الإشارة في البدء إلى أنني مع حرية التعبير دون شرط أو قيد أو خلفية حتى وإن كانت أخلاقية، لكني لم أشاهد في حياتي عملا سيّئا وبلا مفهموم كمسلسل حكايات تونسية فهو عبارة عن «خرّ طرّ» . أتساءل ما هي الرسالة التي يريد هذا العمل إيصالها إلى المجتمع التونسي وماذا يريد أن يقول لنا؟
كل الذي استنتجته منه أن صاحبه أراد الوصول إلى هدف واحد وهو صنع «البوز» من أجل «البوز» لا غير ناهيك عن خسارة أموال طائلة ذهبت في عمل لا يجدي ولا ينفع المتفرج بل ساهم فقط في تكريس صورة مشوهة للمرأة التونسية ولم يفسّر ويحلّل أي وضعية إجتماعية فكان بلا غاية ولا هدف.
- لو تحدثينا عن العلاقة بين التصحّر الثقافي وتنمية الإرهاب؟
أكيد أنّ الإرهاب في تونس كان نتيجة للتصحّر الثقافي الذي فرضه علينا بن علي لما يقارب الثلاثين سنة عشنا فيها غربة ثقافية حقيقية على مختلف المستويات، وقد استمرت للأسف هذه الغربة حتى بعد الثورة فبتنا نعيش على وقع مدارس قرآنية ترعى فتيات بعمر الزهور يتم فيها تعليمهن مقولة «موتو بغيظكم» ووزيرة المرأة السابقة سهام بادي تتفرّج ضاحكة.
أجدد القول انّ كل الذي نعيشه اليوم هو حصاد لأشياء زرعت رغم أنفنا من أفكار رجعية ومتخلفة ساهمت تدريجيا في تنامي الإرهاب والتطرّف.
- كلمة للباجي قائد السبسي..
أقول له يا للخسارة لقد خيبت ظني بك.. وأدعوه لأن يقف وقفة حازمة لتونس وأن لا يدع أحدا يفرض ويملي عليه القرارات والتعاليم فتونس أمانة بين يديه.
- كلمة للحبيب الصيد..
تحرّك قليلا فوضعية البلاد تقتضي وقفة حازمة بعيدا عن رعشة الأفعال والأقوال.
- كلمة لراشد الغنوشي..
متى ستصرّح وتصدح لنا بالحقيقة...؟
- كلمة لنساء تونس..
أقول لكنّ أيتها الحرائر إن تونس لا تستطيع التعويل إلاّ عليكنّ لترجعن الرجال إلى الطريق السوية التي حادوا عنها، فأنتن منقذاتها وحامياتها. أقول لكنّ قفن بجنب الرجال، قفن على يمينهم، على شمالهم، قفن أمامهم، خلفهم، المهمّ قفن معهم سويا اليد باليد للإنقاذ تونس الحبيبة...
- كيف ترين مستقبل تونس؟
أحب أن أبقى دائما متفائلة بمستقبل تونس وأنا أدرك جيدا أننا سوف نجتاز كل هذه المحن لأننا دائما نتفاجأ بإرادة إلهية تخرج بلدنا من كل المآزق.. سوف يقف لتونس نساؤها ورجالها...
- نترك لك المجال في الكلمة الأخيرة..
أختم بالقول تحيا تونس فوق كل الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... تحيا تونس لأنها أغلى من كل شيء.
حاورتها : منارة تليجاني